وهو: مخالفة القول للواقع . وهو من أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام الشرور، وداعية الفضيحة والسقوط. لذلك حرمته الشريعة الإسلامية، ونعت على المتصفين به، توعدتهم في الكتاب والسنة:
قال تعالى (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب))(غافر: 28).
وقال تعالى: ((ويل لكل أفاك أثيم))(الجاثية:7).
وقال تعالى: ((إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وأولئك هم الكاذبون ))(النحل: 105).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع: (قد كثرت علي الكذابة وستكثر،فمن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي، فما وافق كتاب الله فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به).
مساوئ الكذب
وإنما حرمت الشريعة الإسلامية (الكذب) وأنذرت عليه بالهوان والعقاب، لما ينطوي عليه من أضرار خطيرة، ومساوئ جمة، فهو:
1 ـ باعث على سوء السمعة، وسقوط الكرامة، وانعدام الوثاقة، فلا يصدق الكذاب وإن نطق بالصدق، ولا تقبل شهادته، ولا يوثق بمواعيده وعهوده.
ومن خصائصه انه ينسى أكاذيبه ويختلق ما يخالفها، وربما لفق الأكاذيب العديدة المتناقضة، دعما لكذبة افتراها، فتغدوا أحاديثه هذرا مقيتا، ولغوا فاضحا.
2 ـ إنه يضعف ثقة الناس بعضهم ببعض، ويشيع فيهم أحاسيس التوجس والتناكر.
3 ـ إنه باعث على تضييع الوقت والجهد الثمينين، لتمييز الواقع من المزيف، الصدق من الكذب.
4 ـ وله فوق ذلك آثار روحية سيئة، ومغبة خطيرة، نوهت عنها النصوص لسالفة.
دواعي الكذب
الكذب انحراف خلقي له أسبابه ودواعيه، أهمها:
1 ـ العادة: قد يعتاد المرء على ممارسة الكذب بدافع الجهل، أو التأثر بالمحيط المتخلف، أو لضعف الوازع الديني، فيشب على هذه العادة السيئة، وتمتد جذورها في نفسه، لذلك قال بعض الحكماء: (من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه).
2 ـ الطمع: وهو من أقوى الدوافع على الكذب والتزوير، تحقيقا لأطماع الكذاب، وإشباعا لنهمه.
3 ـ العداء والحسد: فطالما سولا لأربابهما تلفيق التهم، وتزويق الافتراءات والأكاذيب، على من يعادونه أو يحسدونه. وقد عانى الصلحاء والنبلاء الذين يترفعون عن الخوض في الباطل، ومقابلة الإساءة بمثلها ـ كثيرا من مآسي التهم والافتراءات الأراجيف.
أنواع الكذب
للكذب صور شوهاء، تتفاوت بشاعتها باختلاف أضرارها وآثارها السيئة، وهي:
الأولى :اليمين الكاذبة
وهي من أبشع صور الكذب، وأشدها خطرا وإثما، فإنها جناية مزدوجة:
جرأة صارخة على المولى عز وجل بالحلف به كذبا وبهتانا، وجريمة نكراء تمحق الحقوق وتهدر الكرامات.
من أجل ذلك جاءت النصوص في ذمها والتحذير منها:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إياكم واليمين الفاجرة، فإنها تدع الديار من أهلها بلاقع).
الثانية : شهادة الزور
وهي كسابقتها جريمة خطيرة، وظلم سافر هدام، تبعث على غمط الحقوق، واستلاب الأموال، وإشاعة الفوضى في المجتمع، بمساندة المجرمين على جرائم التدليس والابتزاز.
أنظر كيف تنذر النصوص شهود الزور بالعقاب الأليم:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا ينقضي كلام شاهد الزور من بين يدي الحاكم حتى يتبوأ مقعده من النار، وكذلك من كتم الشهادة).
ونهى القرآن الكريم عنها فقال تعالى(واجتنبوا قول الزور))( الحج:30).
أضرار اليمين الكاذبة وشهادة الزور
وإنما حرمت الشريعة الإسلامية اليمين الكاذبة، وشهادة الزور، وتوعدت عليهما بصنوف الوعيد والإرهاب، لآثارهما السيئة، وأضرارهما الماحقة، في دين الإنسان ودنياه، من ذلك:
1 ـ أن مقترف اليمين الكاذبة، وشهادة الزور، يسيء إلى نفسه إساءة كبرى بتعريضها إلى سخط الله تعالى، وعقوباته التي صورتها النصوص السالفة.
2 ـ ويسيء كذلك إلى من سانده ومالأه، بالحلف كذبا، والشهادة زورا، حيث شجعه على بخس حقوق الناس، وابتزاز أموالهم، وهدر كراماتهم.
3 ـ ويسيء كذلك إلى من اختلق عليه اليمين والشهادة والمزورتين، بخذلانه وإضاعة حقوقه، وإسقاط معنوياته.
4 ـ ويسئ إلى المجتمع عامة بإشاعة الفوضى والفساد فيه، وتحطيم قيمه الدينية والأخلاقية.
5 ـ ويسيء إلى الشريعة الإسلامية بتحديها، ومخالفة دستورها المقدس، الذي يجب إتباعه وتطبيقه على كل مسلم.
الثالثة : خلف الوعد
الوفاء بالوعد من الخلال الكرمة التي يزدان بها العقلاء، ويتحلى بها النبلاء، وقد نوه الله عنها في كتابه الكريم فقال: ((واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد كان رسولا نبيا))(مريم: 54).
ذلك أن إسماعيل (عليه السلام) وعد رجلا، فكث في انتظاره سنة كاملة، في مكان لا يبارحه، وفاءا بوعده.
وإنه لمن المؤسف أن يشيع خلف الوعد بين المسلمين اليوم، متجاهلين نتائجه السيئة في إضعاف الثقة المتبادلة بينهم، وإفساد العلاقات الاجتماعية، والإضرار بالمصالح العامة.
قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون))
الرابعة : الكذب الساخر
فقد يستحلي البعض تلفيق الأكاذيب الساخرة، للتندر على الناس، والسخرية بهم، وهو لهو عابث خطير، ينتج الأحقاد والآثام.
علاج الكذب
فجدير بالعاقل أن يعالج نفسه من هذا المرض الأخلاقي الخطير، والخلق الذميم، مستهديا بالنصائح التالية:
1 ـ أن يتدبر ما أسلفناه من مساوئ الكذب، وسوء آثاره المادية والأدبية على الإنسان.
2 ـ أن يستعرض فضائل الصدق ومآثره الجليلة، التي نوهنا عنها في بحث الصدق.
3 ـ أن يرتاض على التزام الصدق، ومجانبة الكذب، والدأب المتواصل على ممارسة هذه الرياضة النفسية، حتى يبرأ من هذا الخلق الماحق الذميم.
مسوغات الكذب
لا شك أن الكذب رذيلة مقيتة حرمها الشرع، لمساوئها الجمة، بيد أن هناك ظروف طارئة تبيح الكذب وتسوغه، وذلك فيما إذا توقفت عليه مصلحة
هامة، لا تتحقق إلا به، فقد أجازته الشريعة الإسلامية حينذاك، كإنقاذ المسلم، وتخليصه من القتل أو الأسر، أو صيانة عرضه وكرامته، أو حفظ ماله المحترم، فإن الكذب والحالة هذه واجب إسلامي محتم.
وهكذا إذا كان الكذب وسيلة لتحقيق غاية راجحة، وهدف إصلاحي، فإنه آنذاك راجح أو مباح، كالإصلاح بين الناس، أو استرضاء الزوجة واستمالتها أو مخادعة الأعداء في الحرب.